المقدمة
يقدم كتاب “عام التفكير السحري” للكاتبة الأمريكية جوان ديديون نظرة عميقة ومؤثرة على عملية الحزن والفقدان وكيف يمكن للصدمات أن تؤثر على العقل والنفس، فتتركهما فارغين من الفرح. يشمل الكتاب تجربة جوان الشخصية مع وفاة زوجها ومرض ابنتها الحاد. ينقلنا هذا الكتاب إلى داخل عالم ديديون الخاص، من خلال قصتها المؤثرة عن فقدان أحبائها ومحاولتها التغلب على مشاعر الحزن الثقيلة.
جوان ديديون هي كاتبة وصحفية أمريكية بارزة، عرفت بأعمالها المؤثرة التي تعكس تجاربها الشخصية وآراءها الحادة. من أعمالها الأخرى المشهورة “لعب كما تجده” و”المسيرة البرية”. تعتبر جوان من الكُتّاب الذين يجيدون ربط التجارب الشخصية بالعمق الفلسفي والنفسي، مما يجعل أعمالها دائماً محط إعجاب ونقد إيجابي.
الدروس المستفادة والرؤى الرئيسية
الدرس الأول: الحياة قد تلقي علينا كل العواصف في وقت واحد
توضح جوان ديديون أن الحزن يمكن أن يكون تجربة هائلة لا يمكن استيعابها بسهولة.
كانت جوان متزوجة من جون لأكثر من أربعة عقود، وكانا يعيشا معاً حياة مشتركة مليئة بالحب والعمل. ولكن، في ليلة قبل عيد الميلاد مباشرة، أصيبت ابنتهما كوينتانا بمرض شديد، وتحولت الأنفلونزا العادية إلى التهاب رئوي. بينما كانت كوينتانا تقاتل من أجل حياتها في المستشفى، انهار قلب جون فجأة وتوفي. كوينتانا، التي كانت في غيبوبة، استيقظت بعد ثلاثة أسابيع لتعلم نبأ وفاة والدها. كانت تلك السنة، التي شهدت وفاة جون ومرض كوينتانا المتكرر ومن ثم وفاتها، قد دمرت جوان تماما.
الدرس الثاني: فقدان الأفراد الأعزاء يؤثر على عقولنا وحياتنا النفسية والاجتماعية
فقدان شخص عزيز يعتبر من أصعب التحديات في الحياة، ولا يمكن لأي شخص أن يكون مستعداً بالكامل لتلك التجربة.
بالنسبة لجوان، كان فقدان جون ومرض كوينتانا من أكثر الأحداث المأساوية التي واجهتها في حياتها. تلقّت الصدمة الأولى بفقدان جون ثم أعقبها موجة من الحزن عندما علمت بمرض ابنتها، مما تسبب في مشاعر مؤلمة ومتداخلة. بدأت جوان تشعر بأنها يمكن أن تعكس حدث وفاة جون، لذا أوقفت نفسها عن التخلص من أغراضه، معتقدةً أنها ستحتاجها فيما بعد عندما يعود. كما أنها ألقت باللوم على نفسها لخطوات حياتية معينة، مثل قبول وظيفة في مجلة “لايف”. ومعرفة أنها كانت مريضة بمرض وراثي بعد سنة من وفاته، رغم أنها خففت من شعورها بالذنب، إلا أن الحزن ظل قائماً، وهذا ما يسميه علماء النفس بـ “الحزن المرضي”.
الدرس الثالث: هناك نوعان من الحزن: الحزن العادي والحزن المرضي
يختلف الناس في طريقة تعاطيهم مع الحزن، ولكن هناك أعراض شائعة نمر بها جميعاً عند فقدان شخص نحبه.
عادةً ما تشمل مراحل الحزن العادي الإنكار، والغضب، والمساومة، والاكتئاب، وأخيرًا القبول. يمر الناس بهذه المراحل بطرقهم الخاصة ويعالجون كل مرحلة بما يرونه مناسباً، وقد يستغرق الأمر شهورًا أو سنوات للتعافي من تلك الآثار الكارثية. ولكن مع الوقت، يبدأ الحزن العادي في التلاشي تدريجياً. في المقابل، الحزن المرضي هو نوع أكثر تعقيداً حيث لا يتمكن الشخص من تجاوز صدمته، وهذا ما حدث مع جوان. التأخير في إقامة جنازة جون حتى تتمكن كوينتانا من التعافي والحضور، واعتمادها الكبير على جون، جعل من الصعب تجديد حياتها أو العثور على الفرح مرة أخرى. وجدت جوان العزاء في القراءة والكتابة، مما أسفر عن تأليف كتابين حول الفقدان والحزن.
الفئة المستهدفة
سيستفيد الأشخاص الذين يمرون بمراحل الحزن والفقدان بشكل كبير من قراءة هذا الكتاب، خصوصاً الأرامل والمسنين الذين فقدوا أحد أفراد العائلة. من يعشق السير الذاتية والقصص الحقيقية التي تنقل التجارب الإنسانية العميقة سيجد في هذا الكتاب مصدراً غنياً بالتجارب والعبر. كما أن القراء الذين يسعون لفهم أفضل لكيفية التعامل مع الحزن والفقدان سيجدون في “عام التفكير السحري” دليلاً مهماً يحتوي على دروس حياتية قيمة.
الخلاصة
يعتبر كتاب “عام التفكير السحري” لجوان ديديون عملاً أدبياً مدهشاً يستكشف أعماق الحزن والفقدان بصدق وشفافية. لا يقدم الكتاب فقط توثيقاً لتجربة شخصية مؤلمة، لكنه يمنحنا أيضاً الأدوات لفهم ومعالجة مشاعرنا الخاصة في أوقات الحزن. من خلال السرد العميق والتفاصيل الدقيقة، يدعونا الكتاب لنقف مع أنفسنا ونتأمل في كيفية تعاملنا مع الحياة والهشاشة الجميلة التي تميزها. بالتأكيد، يعد هذا العمل الأدبي قراءة هامة لكل من يسعى لفهم أفضل لمراحل الحزن والتعافي.
