مراجعة شاملة لكتاب “التعثر في السعادة” للمؤلف دانيال جيلبرت – فهم العقل البشري وصنع الرفاهية
المقدمة
يُعد كتاب “التعثر في السعادة” للمؤلف دانيال جيلبرت، أستاذ علم النفس بجامعة هارفارد، من الأعمال الفريدة التي تقدم نظرة عميقة على كيفية عمل العقل البشري وكيف يمكن أن يؤثر على سعادتنا. يسلط الكتاب الضوء على قدرة أدمغتنا على ملء الفجوات والمحاكاة، ويظهر كيف يؤدي افتقارنا إلى الوعي بهذه القدرات أحيانًا إلى اتخاذ قرارات خاطئة. من خلال الكشف عن هذه الحيل الداخلية، يقدم جيلبرت استراتيجيات لمعرفة نفسك بشكل أفضل وتحديد طرق لإنشاء سعادتك الاصطناعية.
حاز الكتاب على إشادة واسعة، إذ أصبح من أكثر الكتب مبيعًا في قائمة نيويورك تايمز لعام 2006، ولاقى استحسانًا كبيرًا بفضل وضعه لأسس علمية تساعد الأفراد على فهم سعادتهم بطرق لم يتطرق إليها الكثيرون من قبل. في هذا السياق، يساعدنا جيلبرت على رؤية كيف يمكننا استخدام مواهبنا العقلية لتعزيز شعورنا بالرفاهية بدلاً من الوقوع في فخ خداع الذات.
الدروس المستفادة والرؤى الرئيسية
الدرس الأول: قدرة دماغك على ملء الفجوات قد تكون خاطئة
يصف جيلبرت كيف أن أدمغتنا تعبث بواقعنا من خلال ملء الفجوات بطريقة غير دقيقة. على سبيل المثال، يشير إلى “النقطة العمياء” في رؤيتنا – مكان في مجال الرؤية يكون فارغًا تمامًا بسبب الألياف العصبية التي تعيق الشبكية. على الرغم من ذلك، فإن دماغنا يملأ تلك الفجوة بمعلومات مختلقة لخلق صورة كاملة. هذا التلاعب ليس محدودًا بالرؤية فقط، بل يمتد إلى الذكريات أيضًا. يمكن أن تتذكر حدثًا معينًا بشكل خاطئ أو تحور التجربة بناءً على آخر لحظات فيها.
مثال آخر يوضح هذا التلاعب هو طموحاتنا وتوقعاتنا المتعلقة بالمستقبل. عند التفكير في تجربة جديدة، مثل زيارة مطعم جديد، يخلق دماغنا سيناريو مثالي في خيالنا. عند مواجهة الواقع، نشعر بالإحباط لأننا لم نكن مستعدين للبدائل غير المثالية. لذا يُنصح دائمًا بالوعي بنقص دقة أدمغتنا عند ملء الفراغات.
الدرس الثاني: قيّم المنتجات بناءً على قيمتها الفعلية وليس السعر السابق
علينا أن نتجاوز العادة النمطية في مقارنة الأسعار بناءً على القيم القديمة. تفسيراً لذلك، إذا كنت معتادًا على دفع مبلغ معين مقابل قهوتك الصباحية ولاحظت ارتفاع السعر، فإنك ستشعر بضيق وتتساءل عن السبب. بدلاً من ذلك، يقترح جيلبرت التركيز على القيمة الفعلية. في سياق المثال المعطى، إذا أدركت أن مبلغًا بسيطًا كشخصية دولار لن يشتري لك أشياء كثيرة مثل الجزرة أو جوارب، فسترى قيمة القهوة بشكل مختلف.
وبالمثل، الناس يميلون إلى شراء تلفاز بـ 500 دولار كان يكلف سابقًا 600 دولار، بدلاً من شراء نفس الجهاز بسعر 400 دولار لو كان السعر قد ارتفع من 300 دولار. دائماً قيم المنتجات على أساس القيمة الحقيقية مقابل المال بدلاً من المقارنة بأسعار سابقة.
الدرس الثالث: التجارب السيئة أفضل من عدم وجود تجارب
نناقش هنا المفارقة القائلة بأن التجارب السلبية تفضل على عدم وجود تجارب على الإطلاق. وضح جيلبرت ذلك بمثال حول شخصين: إذا تعرفت على شخص وجدت فيه انجذابًا ومنحتك الخيار بين الزواج منه أو عدم الزواج منه، لتكتشف لاحقًا أنه سيتحول إلى محترم لإشعال الحرائق أو ملياردير. الغريب، وفقًا لجيلبرت، أنك ستشعر بالندم أكثر إذا لم تتزوج الشخص الذي تحول إلى ملياردير. لماذا؟ لأن عقلك بإمكانه تعلم شيء من التجربة السلبية، ويمكنك رؤية الجوانب الإيجابية فيها. ولكنك لن تحصل على هذه الفائدة من سيناريو لم يحدث بالفعل، ما يسبب لك الأم أكثر بسبب عدم الإقبال على الفرصة.
مهما حدث، افعل شيئاً. العمل يتغلب على عدم الفعل في كل مرة. كما يقول المثل: “الفعل هو العلاج لأي شيء”.
الفئة المستهدفة
هيل خصيصا للفئات التالية: المراهقين الذين يميلون إلى الشعور بالإحباط عندما لا تسير الأمور كما يريدون، والآباء الذين يمتلكون عقل عقلية التوفير ولكن قد يخسرون كل شيء بسبب رسوم الاستثمار، وأي شخص يخشى اتخاذ خطوة نحو شيء قد يكون خطيراً أو غير مؤكد. سيوفر هذا الكتاب الأداة والمعرفة لتجاوز الهواجس والخوف، مما يساعدهم على اتخاذ قرارات أكثر وعيًا وسعادة في حياتهم.
الخلاصة
بشكل عام، يُقدم كتاب “التعثر في السعادة” لدانيال جيلبرت قراءة ضرورية لكل من يسعى لفهم نفسه أكثر وتحقيق سعادته بطرق صحيحة ومدروسة. يتناول الكتاب بذكاء العوامل النفسية التي تؤثر على تصوراتنا وقراراتنا، مما يجعله دليلًا قويًا لتجنب الفخاخ العقلية وخلق نوع من السعادة الاصطناعية. بفضل طرحه العلمي الواضح والقصص المساندة، يجد القارئ نفسه مستمتعا ومستفيدًا في آن واحد. نوصي بشدة بقراءة هذا الكتاب لأي شخص يسعى لتحسين نوعية حياته وفهم أعمق لعقله البشري.