المقدمة
يقدم كتاب “عقل فوق المال” للمؤلفة كلوديا هاموند نظرة عميقة في سيكولوجية التمويل الشخصي، موضحًا كيف بدأت معتقداتنا حول المال تتشكل منذ سن مبكرة وما يمكننا القيام به لجعل أدمغتنا أصدقاء لنا بدلاً من أعداء عندما يتعلق الأمر بالمال. يُعتبر هذا الكتاب دليلًا شاملاً لفهم وفك شفرة السلوكيات المالية التي تؤثر على حياتنا اليومية.
كلوديا هاموند هي مؤلفة بارزة ومعروفة بأعمالها المتعلقة بالصحة النفسية والعلوم الإنسانية. قامت هاموند بتقديم العديد من البرامج الإذاعية والتلفزيونية، ولديها سمعة محترمة في تحليلاتها العلمية والنفسية. يُعتبر كتاب “عقل فوق المال” إضافة مميزة لمؤلفاتها، حيث يمزج بين العلم والواقع العملي لتقديم نصائح مفيدة حول الإدارة المالية.
الدروس المستفادة والرؤى الرئيسية
الدرس الأول: معتقداتك حول المال بدأت في التشكل منذ أن كنت صغيرًا جدًا
يؤكد هذا الكتاب على أن فهمنا للمال يبدأ في سن مبكرة جدًا، وربما عند سن السادسة. تشير الأبحاث إلى أن الأطفال في هذه السن يمكنهم إدراك أهمية المال وتأثيره على حياتهم. على سبيل المثال، أظهرت دراسة فنلندية أن الأطفال البالغين من العمر ست سنوات يناقشون الأمور المالية باستمرار عند تنظيم حدث مسرحي لهم، حيث كانوا يفكرون في أسعار التذاكر وكيفية زيادة الإيرادات من بيع البضائع.
ويشير الكتاب إلى أبحاث أخرى تكشف أن الأطفال يمكنهم التفريق بين الفوارق الاجتماعية بناءً على المال. فعندما عُرضت صور لمنازل متهالكة ومنازل مرتبة بشكل جيد، اعتقد الأطفال أن الأشخاص الذين يعيشون في المنازل المتهالكة سيكونون كسالى وغير لطفاء. هذا يوضح مدى تعمق التأثيرات المالية في حياتنا منذ الصغر. ولذا، فمن المهم أن نقدم للأطفال مثالًا إيجابيًا ونعلمهم كيفية التعامل مع المال بحكمة منذ نعومة أظفارهم.
الدرس الثاني: الدافع في العمل يمكن أن يتأثر سلبًا بسبب المال
قد تكون فكرة أن المال يحفز الناس للقيام بأي شيء بديهية، إلا أن الأبحاث تظهر نتائج متنوعة حول هذا الموضوع. على سبيل المثال، لاحظ العلماء أن القاطفين في مزارع التوت لا يعملون بجدية أكبر عندما يحصلون على زيادات في الأجر. ومع ذلك، زادت إنتاجيتهم بشكل كبير عندما تم دفع الأجر بناءً على عدد السلال المملوءة.
أظهرت الدراسات أيضًا أن المهنيين في الوظائف التي تتطلب مهارات فنية محددة، مثل الأطباء والمصرفيين، قد يتراجع أداؤهم عندما يتم تحفيزهم بواسطة المال فقط. فهؤلاء الأفراد عادة ما يكون لديهم دافع داخلي، بحيث يحبون العمل نفسه. وتشير تجربة أخرى إلى أن الطلاب في مجال الصحافة الذين لم يتلقوا أي أجر عن كتاباتهم الجيدة عملوا بضعف السرعة وحضروا جلسات التفاكر بشكل أكبر من أولئك الذين حصلوا على أجر.
لكن هذا لا يعني أن الحوافز المالية غير مجدية تمامًا. قد تكون المكافآت المفاجئة فعالة في زيادة الدافع، ولكن من المهم ألا تصبح هذه المكافآت معيارًا معتادًا لئلا تفقد تأثيرها.
الدرس الثالث: المزيد من المال قد يجعلك أكثر سعادة، لكن فقط إلى حد معين
يُعتبر مفهوم أن الحصول على المزيد من المال يمكن أن يزيد من السعادة صحيحًا بشكل محدود. إلا أن الفوز بمبالغ ضخمة مثل اليانصيب قد يكون له تأثيرات سلبية كما يظهر في حالة ويليام “بد” بوست الثالث الذي فاز بستة عشر مليون دولار، لكنه انتهى مفلسًا في غضون خمس سنوات بعد المرور بسلسة من المشاكل القانونية والشخصية.
يشرح الكتاب مفهوم التكيف الهيدوني، وهو عندما تعتاد على شيء كان في البداية مثيرًا للغاية. على سبيل المثال، إذا أقمت في فندق فاخر لمرة واحدة، ستستمتع بالتجربة، لكن إذا أصبحت قادراً على القيام بذلك كل أسبوع، سيصبح الأمر طبيعيًا وستحتاج إلى تجارب أكبر للشعور بنفس المستوى من الرضا.
وهذا لا يعني أن المال غير مهم للسعادة. فلا يمكن إنكار أهمية الاستقرار المالي لصحة الأفراد الجسدية والنفسية، لكن بمجرد تحقيق مستوى معين من الراحة الاقتصادية، لن يؤدي الحصول على المزيد من المال إلى زيادة سعادة الشخص بشكل كبير.
الفئة المستهدفة
كتاب “عقل فوق المال” مفيد بشكل خاص لأولئك الذين يجدون أنفسهم في مأزق مالي دائم، مثل الأزواج الذين يكافحون لتأمين حياة كريمة لأطفالهم، أو الشباب الذين يعتقدون أن الفوز باليانصيب سيحل جميع مشاكلهم. كما أن الكتاب مناسب لأي شخص يرغب في فهم كيفية جعل عقله حليفًا له في المسائل المالية بدلاً من أن يكون عقبة.
الخلاصة
ما أحببته أكثر في “عقل فوق المال” هو أنه ليس مجرد كتاب تقليدي في التمويل الشخصي. بل يتعمق في سيكولوجية المال ويشرح لماذا تتخذ قرارات مالية معينة وكيف يمكنك تغيير هذه القرارات لتصبح أكثر حكمة في التعامل مع أموالك. إنه كتاب يحتاجه باستمرار كل من يشعر بأنه عالق في دوامة مالية لا تنتهي.
أنصح بقراءة هذا الكتاب لكل من يرغب في فهم الديناميات النفسية وراء قراراته المالية وتحسين علاقته مع المال ليصبح أكثر استقراراً ونجاحاً في حياته.
